من يوم ما البشر اتوجدوا على الأرض، وهم بيواجهوا حاجات غريبة وغامضة، حاجات عقلهم البشري ماقدرش يفهم معناها ولا حتى قدر يوصل لأول درجة من درجات فهمها، ومن ضمن الحاجات دي وأبشعها، بل وأعظمها كمان، هو الموت… ضلمة، سواد، تراب، كفن، أصوات عياط ودعاء، هو ده معنى الموت بالنسبة لكل اللي عايشين، وده ببساطة لإن ماحدش قدر يعرف ايه اللي وراه او ايه اللي بعده، بس خليني اقولك إن الموت هو اه شئ عظيم ومرعب وغامض، لكن اللي مرعب وغامض أكتر، هو الموت بسبب أمر غريب او مالوش تفسير.. مش فاهم حاجة، صح؟!.. اسمع حكايتي وانت هتفهم انا قصدي ايه، حكايتي اللي تبان لكل اللي هيسمعوها مُرعبة، بس بالنسبة لي انا كانت حكاية مش مفهومة لحد ما فهمت تفاصيلها مؤخرًا.. وبداية الحكاية من اليوم اللي اتشقلبت فيه حياتي؛ وقتها كنت في أجازة سنة أولى إعدادي وكنا في عز الصيف، مش فاكر اوي تفاصيل اللي حصل، كل اللي انا فاكره إن جُم ناس غريبة عندنا البيت وفضلوا يرغوا مع ابويا، ووقت رغيهم قدرت اسمع كده كام كلمة، زي مثلًا (البيت قديم، هننكسه، لازم تمشوا) وكلام كتير عقلي الصغير ماكنش فاهمه ولا عارفه، لكن اللي كنت عارفه وفاهمه وفاكره كويس اوي، هو منظر امي وهي بتعيط وبتلم حاجاتنا من البيت، ومن بعده منظر الحارة البسيطة اللي من يوم ما وعيت على الدنيا وانا عايش فيها، بس منظرها من برة مش من جوة، فاكر جدًا شكلها بعد ما خرجنا منها واحنا راكبين العربية اللي فيها عفشنا وحاجتنا، كانت كئيبة وحيطان البيوت بتبعد وكأنها بتودعنا، واللي فاكره بعد كده كمان إننا طلعنا على بيت جدي مغاوري، ابو أمي، وقتها وقف ابويا معاه وسمعتهم وهم بيتكلموا، كنت واقف جنب ابويا وسمعت كل كلامهم وفاكره لحد النهاردة بالحرف.
-واحنا كنا هنعمل ايه يعني ياعمي، الجماعة بتوع الحي طبوا علينا فجأة كده وقالوا لنا إننا لازم نسيب البيت عشان هينكسوه، وطبعًا انت عارف إن انا ماليش حد ومقطوع من شجرة، وعشان كده اول حد فكرت اجيله هو انت.
لما ابويا قال لجدي كده، بص جدي جوة الأوضة اللي عايش فيها هو ومراته وعياله الخمسة، بعد كده بص لامي اللي كانت قاعدة جنبهم بحزن، وقبل ما يتكلم برقتله مراته، بلع جدي ريقه بالعافية وكأنه خاف من نظراتها، سكت لثواني وبعدهم بص لابويا وقال له بابتسامة بهتانة..
ابتسم ابويا بارتياحية وهو بيرد عليه..
-اه طبعُا ابويا ياعم مغاوري، بس معنى كلامك ده ان احنا ممكن نقعد عندك لحد ما ربنا يدبرها واقدر الاقي شقة؟!
-والله ياابني كان على عيني، بس انت شايف، العين بصيرة والإيد القصيرة، انا راجل على قد حالي، عايش انا ومراتي الجديدة والخمس عيال في حتة أوضة، ويادوب.. يادوب مقضيانا بالعافية.
حط ابويا وشه في الأرض وسكت.. وبعد سكوت دام لفترة، رفع وشه وقال لجدي..
-طب.. طب ماينفعش تقعد رباب ومحمود معاك وانا ابقى اتصرف وابات في أي حتة؟.. معلش ياعمي، معلش، هم تلات ايام بس عقبال ما اتصرف في قرشين والاقي اي مكان يلمنا.
هز له جدي راسه ورد عليه وهو واضح اوي إنه متأثر..
-الفكرة مش فيك انت ياابني ولا في وجودك، الفكرة إن الأوضة مش هتساعنا، وكمان مراتي..
-مفهوم ياعمي، مفهوم مفهوم.. انا هتصرف، يلا يارباب.
خرجت امي ومسكتني من إيدي وكنا رايحين ناحية العربية اللي فيها العفش بتاعنا، لكن فجأة جدي نده على ابويا..
-استنى ياحنفي، هتروحوا فين بس بالعفش اللي معاكوا ده؟
بص ابويا للعفش وبعد كده بص لجدي..
-مش عارف ياعمي.. حقيقي مش عارف.
قرب جدي منه وقال له بصوت واطي..
-طب انا عندي فكرة؛ ايه رأيك لو شيلت العفش بتاعكوا عندي عالسطوح؟!.. احنا في صيف ومافيش مطرة ولا حاجة ممكن تأذيه.
-طب وانا، ورباب ومحمود، هننام فين؟، عالسطوح برضه ياعمي؟!
-لا، مش هتناموا عالسطوح، انا هقولك هتناموا فين، انت ياحنفي قولت انك هتعرف تتصرف وتنام في أي حتة، أما رباب ومحمود، فسيبهم لي، انا كده كده الواد اللي بيساعدني في الشغل واخد أجازة اسبوع، والأوضة بتاعته اللي جنب أوضتي، فاضية، ولو على تلات أيام، مش حكاية يعني، هيتقضوا بالطول وبالعرض، ورباب ومحمود ممكن يقعدوا فيها براحتهم.
بعد ما جدي قال لابويا كده، ابويا برقله ورد عليه وهو مصدوم..
-يقعدوا فين ياعم مغاوري؟!، انت عايز تبيت بنتك وحفيدك في المشرحة اللي بتشتغل فيها؟!
-الله!.. ومالها المشرحة بس، مكان هادي ورايق والأوضة شرحة وبرحة.
-شرحة وبرحة!، انت بتقول ايه ياعمي، دي مشرحة، يعني فيها جثث وتلاجة ميتين واللهم أحفظنا عفاريت.
-جرى ايه ياعم حنفي، عفاريت ايه بس، ده كلام فاضي وحكاوي العالم المخابيل، انا بقالي زمن الزمن شغال في المشرحة، لا عمري شوفت عفاريت ولا غيره، كل اللي بشوفه جثث، والجثث ياحنفي لا بتتكلم ولا بتقلق حد من منامه، دول أموات، أموات ياابو محمود، والميت مابيخوفش، العوزة والمرمطة هم اللي بيخوفوا.
-طب ولو هنفترض انك خدتهم معاك، هتقول للناس اللي موجودين معاك في المشرحة ايه؟
-ناس!، ناس مين ياابني، مبني المشرحة اللي من دور واحد مافيهوش غيري انا وعواد المساعد بتاعي، وزي ما قولتلك، هو في اجازة اسبوع، والاسبوع فات منه يوم، ولو على الدكاترة والجثث اللي بتدخل وتخرج، فماتقلقش، هم هيقعدوا في الأوضة ويقفلوا بابهم عليهم وماحدش هيضايقهم ولا حد هيحس بوجودهم من اصله، وغير كده وكده كمان، الباب الرئيسي انا ببقى قافله من جوة، يعني ماحدش بيدخل إلا لما بيخبط الأول، ولما حد يبقى يخبط، هبقى انبه رباب وهخليها تقفل على روحها من جوة، مبسوط كده ياعم؟
-بصراحة لا، مش مبسوط، بس هنعمل ايه، ما باليد حيلة.
واللي جدي قال عليه حصل، حصل رغم اعتراض امي في الأول، بس لما ابويا وجدي اتكلموا معاها واقنعوها بإننا يانبات في المشرحة، يانبات في الشارع بسبب إن ابويا ماكنش معاه فلوس وقتها، وافقت، وزادت موافقتها لما ابويا حلفلها بكل الأيمانات إنهم تلات أيام وبس، وبعدهم، هيتصرف لنا بإذن الله في أي مكان نبات فيه، وده بعد ما يستلف مبلغ من صاحب الشغل ويدفعه تأمين للمكان او للشقة اللي هنقعد فيها.
ومن عند موافقة امي ابتدا ابويا ومعاه جدي ومعاهم سواق العربية، ينزلوا العفش ويحطوه فوق سطوح الأوضة، وبعد ما العفش كله نزل، ابويا خد بعضه وراح على مخزن الفاكهة اللي بيشتغل فيه بعد ما قال إنه هيبات هناك التلات أيام دول، وقال كمان إنه هيبقى يجي يطمن علينا كل يوم، حتى ولو ساعة واحدة بس، وبعد ما مشي، خدني جدي انا وأمي وروحنا ركبنا عشان نروح للمنطقة اللي فيها المشرحة، ولحد هنا خليني اقولك تفسير اللي حصل لنا في جملتين، بيتنا القديم اللي ابويا ورثه عن أهله، كان هيقع، ولما جه الحي ينكسه، خدنا عفشنا ومابقيناش عارفين نروح فين، ولإن ابويا اهله ميتين واللي عايشين منهم مالوش علاقة بيهم، فماكنش قدامه غير جدي ابو امي، وجدي راجل بسيط، عايش مع مراته الجديدة اللي جابها عشان تخدم عياله الخمسة اللي عايشين معاه، لكن مراته متحكمة فيه بزيادة، وعشان كده لما رفضت وجودنا بسبب ضيق المكان، جدي عرض على ابويا إنه ياخدنا نبات معاه في المشرحة اللي بيشتغل فيها كام يوم، وده لحد ما ابويا يتصرف في فلوس وبعد كده يتصرفلنا في مكان نبات فيه، اما العفش، فزي ما سمعت، اتحط فوق سطح الأوضة اللي جدي عايش فيها، وروحنا بعد كده انا وجدي وامي للمكان اللي فيه المشرحة، واللي كان وصفه كالأتي؛ المكان كان على جنب من جوانب طريق صحراوي سريع، مستشفى صغيرة جواها مباني، وجنب المستشفى كان في مبنى صغير من دور واحد، وهو ده اللي فيه تلاجة الأموات او المشرحة، المشرحة اللي بعد ما جدي فتح بابها الكبير بمفتاح كان معاه، شاورلنا انا وامي عشان ندخل، ودخلنا.. المكان من جوة كان فيه طرقة واسعة، وعلى اليمين بابين لأوضتين؛ أوضة جنب الباب الرئيسي وأوضة تانية جنبها، وفي نهاية الطرقة كان فيه أوضة مكتوب على بابها كلمة خدت صعوبة وقتها على ما عرفت اقراها، بس لما قريتها اتاخدت.. الكلمة كانت التلاجة، تلاجة الأموات!
قلبي اتقبض ومسكت في امي واحنا بنتمشى في الطرقة، بس امي ماكانتش مركزة معايا، امي كانت مركزة مع جدي اللي كان بيتكلم معاها وبيقولها..
-شوفي بقى يابنتي، الأوضة الأولانية دي أوضتي، انا من عادتي اني بنام هنا بالأيام ومابروحش البيت إلا عشان اغير هدومي واجيبلي لقمة من البيت ترُم عضمي، ولو على الحمام..
وشاور على الشمال…
-فبابه اهو، ده الباب الوحيد اللي عالشمال، وباب الأوضة التانية اللي هتنامي فيها انتي وحودة، قصاده على طول، والباب الكبير اللي في أخر الطُرقة ده، ده بقى باب التلاجة، بس اعتبريه مش موجود لأن ماحدش بيدخل ولا بيخرج منه غيري انا والأموات.
لما قال كده امي شهقت وضربت على صدرها..
-ياخرابي يابا.. احنا هننام في أوضة، الحيطة بتاعتها يبقى في ضهرها تلاجة الميتين؟!
-مش احسن ما تباتوا في الشارع يانن عين ابوكي، خشي ياختي خشي وبلاش غلبة.
فَتح جدي باب الأوضة التانية اللي دخلناها بعد ما نَور النور، وبعد ما دخلنا بصينا للمكان واحنا قرفانين، الأوضة يادوب كان فيها سرير واحد ودولاب وكرسي وترابيزة صغيرة عليها سبرتاية وكام برطمان كده، فيهم سكر وشاي وملح وبن!
دخل جدي ورمى الشنطة اللي كان فيها شوية من هدومنا على السرير، وبعد ما رماها بص لامي وقالها..
-يلا طلعي هدومكوا ورصيها في الدولاب، وانا هروح أوضتي اغير هدومي وبعد كده هدخل ابص بصة عالتلاجة، ولو الباب الرئيسي خبط، ماتروحيش ناحيته ولا تفتحيه، كأنك مش سامعة أي حاجة، انا اللي هروح افتح واشوف مين لو حد خبط، وماتنسيش، اهم حاجة تتربسي الباب من جوة عشان ماحدش يحس بوجودكوا.
هزت امي راسها وجدي خرج، اما انا، فقعدت على الكرسي وفضلت اراقب امي اللي قفلت الباب كويس من جوة، وابتدت تفضي الهدوم وترصها في الدولاب، كنت براقبها وانا ساكت لحد ما سمعت أصوات همس جاية منين بقى، ايووه.. من ناحية الحيطة اللي ساند عليها السرير، واللي في ضهرها على طول تلاجة الميتين، الصوت كان واطي في الأول، بس لما ركزت معاه ابتدا يعلى، كان صوت غريب ومش مفهوم، زي ما يكون كذا شخص بيهمسوا، بس بيهمسوا بصوت عالي لدرجة إن صوتهم خلاني وقفت واتمشيت ناحية الحيطة وفضلت باصص لها، وعشان اتأكد إن الصوت جاي منها واعرف كمان الصوت ده بيقول ايه، قربت من الحيطة أكتر وحطيت ودني عليها عشان اسمع…
(محموود.. مح.. مووود.. تعالى.. تعالى.. احنا مستنينك)
-واد يامحمود، تعالى هنا، انت بتعمل ايه عند الحيطة؟!
لما فوقت على صوت امي وسؤالها، بعدت عن الحيطة وقولتلها بخوف..
-الأصوات.. انتي.. انتي مش سامعاها!
-أصوات ايه يامنيل، انت عايز تخضني ياواد؟!.. بتلاعبني يامحمود عشان اخاف؟!
-لا والله ياامه، انا سامع ناس بتتكلم من ورا الحيطة، حتى قربي وحطي ودنك كده واسمعي كويس.
قربت امي وحطت ودنها على الحيطة شوية، كانت ساكتة ومركزة وكأنها بتحاول تلقط أي حاجة، لكن الظاهر كده إنها ماسمعتش أي حاجة لأنها فجأة بعدت عن الحيطة وقالتلي بضيق..
-فين ده ياواد؟!، مافيش أصوات ولا ديالو.. مش بقولك بتلاعبني، اتهد بقى واقعد عالسرير وخليني اكمل بقية رص الهدوم.
سمعت كلامها وقعدت على السرير زي ما قالتلي، بس وانا قاعد برضه كنت سامع الصوت، بس المرة دي عملت نفسي مش واخد بالي عشان امي ماتزعقليش ولا تضربني، بس بيني وبينك، انا مش ماكنتش مركز معاه، انا كنت عامل نفسي إني مش مركز معاه عشان امي ماتاخدش بالها، لكني في الحقيقة كنت مركز اوي لدرجة إني سرحت معاه وسمعت الكلام اللي بيتقال كويس..
(تعالى لنا يامحمود.. احنا مستنيتنك.. تعالى.. تعالى يامحمود)
وفجأة، ووانا سرحان مع الصوت، اتفزعت لما سمعت صوت خبطة قوية على الباب اللي برة، ومع الخبطة سمعت صوت حد بينادي..
(ياعم مغاووري.. افتح ياعم مغاوري معانا جتة)
برقت لي امي وشاورتلي وهي بتحط إيدها على بوقها وبتقولي بصوت واطي..
-ششش.. مش عايزة اسمع صوتك لحد ما الراجل يمشي، ماتنطقش، اكتم خالص وإلا همدك على رجليك، فاهم ولا لأ.
هزيتلها راسي بمعنى اني فاهم، اما هي فقعدت جنبي وفضلت ساكتة لحد ما سمعنا جدي وهو بيفتح الباب وبعد كده سمعناه بيتكلم مع حد..
-جرى ايه ياعم حامد، عمال تهلل.. ياعم مغاوري ياعم مغاوري، هو انا قاعدلك جنب الباب؟!
-يحمض!، حد يقول على متوفي يحمض!، هو كيلو أوطة، خش خش بلاش غلبة.
-ماشي ياعمنا.. استلم.
بعد كده سمعت صوت عَجل بيمشي في الطرقة وكأن في سرير بيتحرك ناحية أوضة التلاجة، وبعد ما الصوت وقف، سمعت صوت باب التلاجة بيتفتح وبيتقفل، وبعد ما اتقفل سمعت صوت كلام من حامد لجدي، كلام ماسمعتوش اوي لإنهم كانوا بيتكلموا بصوت واطي، وبعد ما خلصوا كلام سمعت صوت خطوات، وبعد كده حامد سلم على جدي وسمعت صوت الباب الرئيسي وهو بيتقفل، وبعد ما اتقفل بثواني، سمعت صوت خبط على باب أوضتنا، قامت امي لما سمعت صوت جدي وهو بيقولها..
-افتحي يارباب، الراجل مشي خلاص.
فتحت امي الباب ودخل جدي واطمن علينا، وبعد شوية قعدنا أكلنا واستخدمنا الحمام والنهار عدى وجدي شاف اللي وراه من تظبيط لأوضة التلاجة لوقوف مع دكتور جه دقايق ومشي، ولما الليل جه، كنت تعبان انا وامي وجدي من اللي مرينا بيه، وبسبب تعبنا واحساسنا بالإرهاق، نمنا زي ما اتفقنا؛ جدي نام في أوضته، وانا وامي نمنا في أوضتنا، بس انا بقى بعد ما غمضت عيني ونمت شوية، صحيت فجأة على صوت حد بينده عليا من ناحية الحيطة..
(محموود.. تعالى يامحمود.. ماتخافش، ماتخافش مني، انا عايز العب معاك).. الصوت المرة دي كان صوت راجل، مش صوت غريب زي الصوت اللي سمعته الصبح، وللسبب ده، وكمان بسبب فضول الطفل اللي كنت عليه وقتها، اتسحبت من جنب امي وفتحت باب الأوضة بالراحة وخرجت منها من غير ما تحس، ومن غير حتى ما اعمل أي صوت، وزي ما فتحت الباب بالراحة وخرجت، قفلته برضه بالراحة ووقفت في الطُرقة.
الدنيا كانت سكوت، مافيش صوت، النور قليل اوي ومافيش غير لمبة نورها أبيض متعلقة في السقف، بلعت ريقي وبصيت حواليا، وبكل هدوء وبرود خدت خطوات بسيطة ناحية باب أوضة التلاجة، وبمجرد ما خطيت الكام خطوة دول، نور اللمبة ابتدا يترعش!، وفي وقت رعشة النور، سمعت صوت باب الحمام اللي كان قصادي بالظبط وهو بيتفتح!
يتبع
ساكن المشرحة
٢
الدنيا كانت سكوت، مافيش صوت، النور قليل اوي ومافيش غير لمبة نورها أبيض متعلقة في السقف، بلعت ريقي وبصيت حواليا، وبكل هدوء وبرود خدت خطوات بسيطة ناحية باب أوضة التلاجة، وبمجرد ما خطيت الكام خطوة دول، نور اللمبة ابتدا يترعش!، وفي وقت رعشة النور، سمعت صوت باب الحمام اللي كان قصادي بالظبط وهو بيتفتح!
شجعت نفسي وبصيت جوة الحمام اللي بابه اتفتح، وبسبب رعشة النور اللي فضلت مستمرة، قدرت المح جوة الحمام حاجة صغيرة بتنور، ماقدرتش اعرف في الأول هي ايع بالظبط، انا كل اللي كنت قادر اشوفه، هم نقطتين بينوروا جوة ضلمة الحمام، وبدون مقدمات او سابق انذار، باب الحمام افتح على اخره وخرجت منه حاجة سودة جريت بسرعة ناحيتي، وقبل ما تقول لنفسك ان دي قطة، خليني اقولك لا، الشئ اللي جري ناحيتي وانا جريت بسببه، بصيت عليه بصة خاطفة كده وانا بجري، ويارتني ما بصيت.. انا في اللحظات اللي لمحته فيها، قدرت احدد هيئته كويس، كان مخلوق بيمشي على رجلين، قصير، شعره كثيف، وهنا ماقصدش شعر راسه، انا اقصد ان جسمه كله كان مليان شعر، وعينيه كان لونها أحمر!
جريت منه بسرعة ناحية باب أوضة التلاجة، وبمجرد ما دخلت الأوضة، قفلت الباب ورايا وخدت نفسي بالعافية، كنت فاكر ان انا كده خلاص، قدرت اهرب من الشبح اللي خرجلي من الحمام، لكن لا، انا كنت بهرب من مين لفين، انا دخلت جوة أوضة فيها تلاجة، أدراجها مليانة ميتين!
وده اللي شوفته اول ما بصيت قدامي، نور الأوضة كان منور، وللأسف نورها كان عبارة عن لمبة بيضا برضه بس مكانها في السقف العالي، يعني يادوب بسبب النور اللي جاي منها كنت قادر اشوف مقابض الادراج اللي قدامي، لكن المصيبة بقى ماكانتش في الريحة النفاذة اللي كنت شاممها في المكان، واللي عرفت بعد كده لما كبرت انها ريحة المطهرات والفورمالين اللي بيستخدموهم في المشارح، ولا حتى المصيبة كانت في التلاجة اللي قصادي، لا، المصيبة الكبيرة كانت في السرير او النقالة الحديد اللي قصادي بالظبط، النقالة ابتدت تتحرك، ومع حركتها لمحت درج من الادراج، او بالتحديد الدرج اللي كان ورا النقالة على طول، الدرج لمحته وهو بيتفتح بهدوء!
اعصابي سابت، وبدل ما كنت واقف وباخد نفسي بهدوء وبالراحة، قعدت في مكاني وفضلت مبرق للدرج وهو بيتفتح، ثواني، ثواني والدرج بيطلع لبرة وانا مستني ان في اي وقت، اي حاجة تخرج منه وتموتني، بس فجأة، الدرج ثبت في مكانه!
ركزت مع الضلمة اللي جواه بعد ما اتفتح، عارف انت الفضول اللي يخليك عاوز تشوف الشبح بدل ما تستناه!.. اهو ده اللي حصل معايا، انا بصيت جوة الدرج عشان اشوف ايه اللي ممكن يطلعلي منه، لكنه فضل ثابت ومافيش حاجة خرجت!
رفعت راسي وبصيت اكتر، ركزت، وفي اقل من ثانية، حسيت بإيد طويلة طلعت من الدرج وسحبتني جواه.
الدنيا بقت ضلمة، مافيش ولا صوت غير دقات قلبي اللي ابتدت تعلى وتعلى، ومن وسط الضلمة والسكوت، سمعت صوت بيتوزع حواليا، زي ما يكون انا نايم جوة الدرج، والصوت ده بيلف في كل المكان اللي نايم فيه..
(ماتخافش.. ماتخافش يامحمود.. كل شئ في الدنيا له سبب، وانت لازم تشوف.. لازم تشوف عشان تحكي اللي هتشوفه يامحمود.. لازم تشوف يامحمود.. لازم تشووف.. لازم تشوف).. ومع تكراره لكلمة لازم تشوف، حسيت بحاجة قوية بتضغط على صدري، وفي لحظة، المشهد من حواليا اتبدل!
انا فجأة لقيت نفسي في صالة بيت فخم اوي، كنت قاعد وقصادي راجل ماعرفوش، كان مديني ضهره وهو واقف في المطبخ اللي قصاد الصالة بالظبط، لما ركزت معاه اكتشفت انه واقف بيعمل حاجة قصاد البوتجاز، وقبل ما انطق او اقوله انا فين او انت مين او انا بعمل ايه هنا، اتكلم هو بصوت عالي..
-حالًا والشاي الرايق يكون جاهز.
لما قال كده، غصب عني لقيت نفسي برد عليه بصوت مش صوتي، او بمعنى اوضح، انا رديت عليه بنفس الصوت اللي سمعته قبل ما اتنقل للمشهد اللي انا فيه..
-ياريت بسرعة بس ياطارق عشان ماتأخرش.
ومافيش ثواني وجه اللي اسمه طارق ده ومعاه كوبايتين شاي، حط قدامي كوباية وخد كوباية، وزي ما كل حاجة بتحصل غصب عني، فانا غصب عني برضه اخدت الكوباية اللي قصادي وشربت منها شوية، وبعد ما شربت، حطيتها قدامي وقولتله..
-والله كان نفسي تيجي معايا، الاتفاق ده وجودك فيه كان هيفرق كتير اوي، ده اكبر تاجر للسيراميك في اسكندرية كلها.
ابتسم وقالي وهو بيشرب من كوبايته..
-ياعم انا البرد مبهدلني زي ما انت شايف، وبعدين ما انا كده كده هسافرله بعد ما انت تتمم الاتفاق ياعم سعد، سافر انت، سافر انت وخلص الدييل وبإذن الله خير، انت قدها وقدود.
شربت بقية الكوباية وطارق ده عمال يبص لي اوي، وبمجرد ما خلصت، حسيت بالدنيا بتتبدل من حواليا تاني ولقيت نفسي سايق عربية على الطريق السريع، الدنيا كانت بتمطر بغزارة، العربيات رايحة وجاية من على الجانبين، كنت سايق ومركز جدًا في الطريق لحد ما بدأت تحصل حاجة غريبة اوي، اصوات همهمات ظهرت من ورا ضهري، بالظبط من ناحية كنبة العربية، ومع الاصوات دي حسيت بحركة خلتني ابص عالمراية، واول ما بصيت اتفزعت، في الكنبة اللي ورايا كان في تلاتة قاعدين، التلاتة كانت أشكالهم مرعبة، زي ما يكونوا اموات، ملامحهم بهتانة وجلدهم لونه أبيض!
وقتها ومن غير إرادتي، لقيتني بصرخ بعلو صوتي.. (ابويا.. جدي.. امي.. انتوا رجعتوا من الموت ازاي، ازاي).. ووقت ما كنت بصرخ، التلاتة اللي ورايا ابتدوا يمدوا ايديهم ناحيتي وانا بحاول اتفاداهم، لكن اتفادا مين، دول في لحظة لفوا ايديهم حوالين رقبتي، وبسبب خنقهم ليا بإديهم اللي كانت باردة زي التلج، فقدت السيطرة على العربية لحد ما اتقلبت، ومع قلبتها الدنيا ضلمت!
اصوات مطر مع سائل دافي بينزل من راسي، وفي لحظة، ولتالت مرة، المكان اتبدل من حواليا، شوفت نفسي واقف في صالة نفس البيت اللي كنت فيه، بيت طارق، وقصادي كان طارق قاعد على كرسي من الكراسي، وجنبه كانت قاعدة واحدة ست، بص لها وابتسم، قربت منه وحطت راسها على صدره وهي بتسأله..
-انت متأكد من الصبار ده؟!
-إلا متأكد، ده صاحبي اللي جابهولي من المكسيك، قالي ان اخر واحد شربه في الشاي، فضل يخرف ويشوف هلاوس لحد ما قطع دراعه.
-بس انا مش عايزاه يقطع دراعه، انا عايزاه يموت خالص.
-هيموت يافريدة، هيموت ياروح قلبي، وبموته كل حاجة هتبقى بتاعتنا وهنتجوز انا وانتي ونعيش بقى.
-يارب ياحبيبي، انا مش عارفة ازاي البني أدم ده يبقى اخوك، ده انا نفسي ماستحملتوش تلات سنين جواز بسبب لسانه الفالت وضربه ليا، انت كنت مستحمله ازاي طول السنين اللي فاتت؟!
-اهو.. هنعمل ايه بقى، نصيبي، انا ماختارتش إن اخويا الكبير يبقى مفتري وواكل ورثي ومتجوز حبيبتي، لكن ممكن اوي اختار الطريقة اللي اخلص بيها منه، وانا ظبطهاله من كل ناحية، شربته الميسكالين وهو مسافر، وفي نفس الوقت سيبته يسافر لوحده، يعني كده كده هيهلوس وهيعمل في نفسه مصيبة.
وعند اخر جملة قالها طارق، حسيت بصداع قوي اوي خلاني غمضت عيني… وشوية شوية، الصداع ابتدا يقل لحد ما اختفى خالص، وفَتحت، الدنيا كانت برد من حواليا، طب انا فين؟.. في درج الميتين؟.. لا، انا كنت لسه قاعد مكاني، ساند ضهري على باب اوضة التلاجة، وقصادي كان نفس الدرج المفتوح، وجنب الدرج بالظبط، كان واقف خيال اسود طويل، ثابت في مكانه، مابيتحركش!
بصيتله بحذر وبالعافية قومت من مكاني، قومت بالراحة وبهدوء، ومن غير اطلع اي صوت، اديت ضهري للدرج ولفيت ناحية الباب، مسكت المقبض وبحركة سريعة فتحته وطلعت اجري على برة، لكن وانا بجري خبطت في حد مالحقتش اشوفه، انا بسبب الخبطة المفاجأة والخضة اللي اتخضتها، وقعت من طولي وغيبت عن الدنيا، غيبت ماعرفش قد ايه، بس لما فوقت لقيت نفسي على السرير في الأوضة بتاعتنا، وحواليا كانوا واقفين..
يتبع
ساكن المشرحة
٣
بصيتله بحذر وبالعافية قومت من مكاني، قومت بالراحة وبهدوء، ومن غير اطلع اي صوت، اديت ضهري للدرج ولفيت ناحية الباب، مسكت المقبض وبحركة سريعة فتحته وطلعت اجري على برة، لكن وانا بجري خبطت في حد مالحقتش اشوفه، انا بسبب الخبطة المفاجأة والخضة اللي اتخضتها، وقعت من طولي وغيبت عن الدنيا، غيبت ماعرفش قد ايه، بس لما فوقت لقيت نفسي على السرير في الأوضة بتاعتنا، وحواليا كانوا واقفين، امي وجدي، بصيت لهم باستغراب ولسه هسألهم ايه اللي حصل، بصت لي امي بضيق وقالتلي..
-انت ايه اللي خلاك تتنيل وتقوم من جنبي؟!
-بالراحة يابنتي، بالراحة عالواد.
اتعدلت في قعدتي وابتديت ارتب افكاري بسرعة، انا قومت من جنب امي وخرجت للطرقة، وبسبب اللي طلعلي من الحمام دخلت جري على أوضة التلاجة وشوفت جواها حاجات غريبة، لكن لا، انا مش هينفع احكي لامي ولا لجدي على أي حاجة من اللي شوفتها، انا.. انا لازم اقولهم اي حاجة غير اللي حصلت..
-انا.. انا كنت داخل الحمام، والنور.. النور فضل يروح ويجي، فاتخضيت، و.. و.. وطلعت اجري، ولما جريت اتخبطت في حد، ماعرفش.. ماعرفش اتخبطت في مين، بس من خضتي ماحستش بحاجة.
الكلام اللي قولتهولهم، رغم انه ماكنش مترتب، إلا إنه اقنع جدي، او هو عمل نفسه انه مقتنع عشان يمنع امي من إنها تضربني..
-ده انا ياابني، انت خبطت فيا انا، انا خرجت من أوضتي وكنت رايح الحمام، وفجأة لقيتك جاي بتجري ناحيتي وانت بتبص وراك، واول ما خبطت فيا وقعت من طولك، فشيتلك ودخلتك هنا، انا قلبي وقع في رجلي من الخضة عليك، بس الحمد لله انك بخير.
وبعد ما جدي قالي كده، بصيتلي امي وقالتلي..
-طول ما احنا هنا ماتقومش من جنبي ولا تروح في اي حتة الا معايا، ولو عايز تتزفت تخش الحمام، صحيني وانا هدخلك، يلا اتغطى ونام.
هزيتلها راسي وانا ساكت، اما جدي، فخد بعضه وراح أوضته، وامي طفت نور الأوضة ورجعت نامت جنبي، لكن انا بقى عنيا مارمشتش، نوم ايه اللي هيجيلي بعد كل اللي مريت بيه ده!.. انا فضلت صاحي لحد ما النهار طلع، ومع طلوع النهار سمعت باب المشرحة بيخبط، وبعد ما جدي فتحه سمعته بيتكلم مع اللي كان بيخبط، واللي كان بالمناسبة يعني هو حامد اللي جاله امبارح..
-ها ياعم حامد، جايبلي جتة تانية النهاردة؟
-لا ياعم مغاوري، انا جاي اقولك تعمل حسابك إن اهل الميت اللي جالك امبارح، سعد الدين الدكروري، جايين يستلموه كمان شوية.
-ماشي يااخويا.. اتكل انت وانا هحضره، ولما يجوا ابقى تعالى.
مشي حامد وجدي قفل باب المشرحة، لكن بعد شوية باب المشرحة خبط، والمرة دي جدي لما فتح، سمعته وهو بيسلم على ابويا، ابويا اللي كان صوته فرحان اوي وهو بيقوله..
-الحمد لله ياعمي، ربنا كرمني وقدرت اخد سلفة من الراجل اللي انا شغال معاه، وكمان شوفت شقة إيجار محندقة كده في العمارة اللي جنب المخزن اللي بشتغل فيه، فين محمود ورباب؟!
بعد ما ابويا خلص كلامه، دخل هو وجدي عندنا، وفعلًا.. خدنا حاجاتنا وخرجنا من الباب عشان نروح نجيب العفش من فوق سطوح جدي، وننقله للشقة الجديدة اللي خدناها، بس انا وامي وابويا بعد ما خرجنا من المشرحة، شوفت حاجة غريبة اوي، انا شوفت الاتنين اللي شوفتهم في اخر مشهد لما دخلت أوضة التلاجة، طارق وفريدة!
كانوا واقفين قصاد باب المستشفى ولابسين اسود، ملامحهم كان باين عليها الحزن المصطنع.. لكن خليني اقولك إن وجودهم ماكنش مهم بالنسبة لأي حد غيري، انا بس اللي فضلت مركز معاهم لحد ما مشينا، وبعد ما مشينا وخدنا عفشنا وروحنا قعدنا في الشقة الجديدة، ومع اول ليلة نمتها برة المشرحة، ابتديت اشوف كوابيس، ولما بقول كوابيس فانا ماقصدش إن انا كنت بشوف عفاريت او جن او كائنات شبه الكائن اللي خرجلي من الحمام، لا.. انا كنت بشوف نفس المشاهد اللي انا شوفتها في أوضة التلاجة بالمللي، ومع نهاية كل كابوس، كنت بسمع صوته وهو بيقولي (لازم تشوف.. ولازم تحكي اللي شوفته).. وطبعًا كنت بقوم ساعتها مفزوع، وبسبب فزعتي وصحياني كل ليلة وانا بصرخ، ابويا جاب لي شيخ عشان يرقيني، وده طبعًا حصل بعد ما امي حكتله اني ليلة ما كنا بايتين في المشرحة، خرجت من الاوضة ودخلت الحمام وخبطت في جدي واتخضيت، وكمان فقدت الوعي بعد ما اتخضيت، وبسبب كلامها له، ابويا قال ان انا اتلبست وجاب لي شيخ عشان يرقيني، بس الغريب بقى إن الشيخ ده لما جه يرقيني، ماحصلش حاجة، لا اتشنجت ولا شوفت شكله وحش، ولا حصلتلي أي حاجة غريبة، انا كنت ثابت وبسمع القرأن اللي بيقراه لحد ما خلص، وبعد ما خلص ولقاني طبيعي، طلب من ابويا انه يقعد معايا لوحدي، ولما قعد معايا لوحدي وسألني عن اللي بشوفه، حكيتله كل حاجة، ماخبتش عنه ولا كدبت عليه زي ما عملت مع جدي وامي وقتها، كان بيسمعني وهو بيبتسم، وبعد ما خلصت وابويا جه، الشيخ فضل مبتسم وقال لابويا..
-ماتقلقش ياابو محمود.. محمود زي الفل، هو بس بسبب المكان اللي كان بايت فيه اتهيأله انه شاف حاجات وناس مش موجودين، وبالنسبة للكوابيس فهي بتجيله بسبب ان دماغه لسه متعلقة بالليلة الغريبة اللي قضاها هناك، وعشان الكوابيس دي تخف، شغلوا جنبه قرأن وهو نايم وحاولوا تشغلوه بأي حاجة تنسيه الليلة اياها.
واللي الشيخ قاله، ابويا نفذه، وبعد ما اتعودت انام والقرأن شغال جنبي وشغلت نفسي بمذاكرتي وحياتي، وكمان بعد ما بيتنا القديم اتهد وابويا باع الارض واخد مبلغ كويس واشترى لنا بيت جديد ملكنا، وجدي اتوفى، الكوابيس قلت، مش هقول اختفت خالص، هي قلت في الأول، وفضلت تقل بالتدريج لحد ما حصل اللي حصل من كام يوم.
بعد ما مر على اللي عيشته ده حوالي اربع سنين، وبعد دخولي لمرحلة ثانوي، احوالنا المادية بقت احسن، وابويا قدر يشتري لي موبايل ولاب توب وابتديت ادخل على النت واتعرف على الدنيا بشكل اوسع، لكن من كام يوم بس وبعد ما كنت ارتاحت من الكابوس اياه، شوفته تاني، لكن شوفته المرة دي شوفته بشكل مختلف، ركزت في التفاصيل، في الاسامي، وبسبب تركيزي والتفاصيل اللي لاحظتها، اول ما صحيت من النوم فتحت موبايلي وابتديت ابحث عالنت عن كل اللي شوفته، واول حاجة بحثت عنها هو اسم سعد الدين الدكروري، ظهرلي كذا شخص بالأسم ده، لكن من وسطهم لمحت مقال تاريخه بيرجع لحوالي اربع سنين، كان مقال في جريدة بيتكلم عن مصرع رجل الاعمال وصاحب مصانع السيراميك سعد الدكروري في حادثة سير!.. ولما بحثت عن اسم طارق اخوه، رجل الأعمال طارق الدكروري، ظهرلي الأتي.. الجرايد كاتبة كذا مقال عنه، اولهم انه اتجوز أرملة اخوه المتوفي (فريدة نجم).. وبعد كده مسك ادارة شركات ومصانع الدكروري وافتتح كمان فروع برة مصر، ووسط كل الاخبار دي قريت خبر اتكتب من حوالي سنتين، (انتحار فريدة نجم زوجة رجل الاعمال طارق الدكروري بداخل أحدى المصحات، حيث تم نقلها إليها للعلاج من إدمان مخدر الميسكالين).. الميسكالين!.. الاسم ده مش غريب عليا!
وقتها وقفت على مكان البحث وبحثت عن اسم مخدر الميسكالين، وظهرلي الأتي.. ده مش مجرد مخدر، دي مادة مهلوسة مصدرها صبار اسمه (صبار البيوت).. والصبار ده بيتزرع في المكسيك، واللي بياخد المادة دي او بيشربها مغليه مع الشاي، مش بيعمل دماغ ولا بيحس بنشوة زي المخدرات كده وبس، لا، ده بيتعرض لهلوسة ممكن تتسبب في موته لأنه بيشوف عن طريقها حاجات خارج نطاق العقل البشري، وده بالظبط اللي عمله طارق بالاتفاق مع فريدة في سعد، طارق في شخص ما جابله المادة دي لسبب ما انا ماعرفوش، وبسبب وجود الصبار ده او المادة دي، حط خطته هو وفريدة وخلصوا من سعد.. سعد اللي شوفت اللي حصل معاه بسبب إن جثته كانت في نفس المشرحة اللي انا عيشت فيها ليلة كاملة، طب انا بشوف كل ده ليه، ممكن عشان اكتب اللي حصل، طب انا هكتب ايه، هكتب ان سعد الدكروري ماماتش في حادثة عادية وان موته كان مُدبر، ولا اكتب ان مراته فريدة بقت مدمنة على نفس المادة اللي مات بيها، طب وطارق!.. طارق لسه عايش، انا.. انا لازم اروحله عشان الاقي نهاية للحكاية، او عالأقل عشان ماشوفش نفس الكابوس تاني.. وفعلًا، روحتله، روحت لمكتبه اللي في مقر مجموعة شركاته، بس وانا داخل الشركة وقبل حتى ما اسأل عليه، لاحظت حاجة غريبة اوي، الشركة زي ما تكون فاضية ومافيهاش حد!
بصيت حواليا باستغراب وفضلت اتمشى في الشركة لحد ما واحد وقفني..
-خير يااستاذ، عاوز حاجة؟!
-لا.. ااا.. اه.. استاذ طارق، استاذ طارق الدكروري، مكتبه فين؟
-الحقيقة ان مكتب استاذ طارق في الدور التاني، بس انت لو عايزه مش هتلاقيه، ادعيله.. اصله في المستشفى بقاله كام يوم بسبب الازمة الاقتصادية واضراب العمال، وكمان لأن في شحنة سيراميك كبيرة اوي، غرقت في البحر وهو بيبعتها لمخازنه برة مصر، ادعيله يقوم بالسلامة، ده عنده جلطة.
كنت بسمعه وانا ساكت ومذهول، ماكنتش لاقي رد، لا عارف ادعيله ولا اقول انه يستاهل، لكني قبل ما انطق او ارد عالشخص اللي قدامي، سمعت صوت واحدة جت تجري من بعيد على الشخص اللي انا واقف معاه..
-الحق ياوائل، الحق، استاذ طارق تعيش انت.. المستشفى كلمتنا وقالتلنا انه مات.
جسمي قشعر اول ما قالت كده، مش بس بسبب كلامها او بسبب خبر موت طارق، انا جسمي قشعر لما لمحته ماشي من بعيد وبيبصلي وبيبتسم، هو.. سعد.. انا حافظ شكله كويس لاني شوفته كتير في مراية العربية وقت الكابوس، وكمان شوفت صوره عالنت.
جريت بسرعة ناحية ما لمحته، وطبعًا مالقتش حاجة، اختفى زي ما ظهر، اختفى وانا مابقاش قدامي غير اني اروح البيت وارتاح، جايز لما انام وافصل دماغي شوية من كل اللي مريت بيه من وقت ما قررت ابحث، ارتاح، بس المرة دي اول ما غمضت عيني، صحيت على صوته.. نفس الصوت اللي سمعته في الأول خالص اول ما دخلت أوضة التلاجة.. (اصحى يامحمود.. اكتب اللي انت شوفته واحكيه للناس.. احكي يامحمود انه خلاها تدمن عشان يورثها وان عدالة ربنا اتحققت فيه، اكتب اني موتت غدر وألا كابوسي هيفضل ملازمك).. قومت مفزوع وبسرعة مسكت اللابتوب وكتبت.. كتبت كل حاجة مريت بيها على أمل ان الكابوس وصوت سعد وكل حاجة منغصة عليا نومي تختفي، كتبت وبعتلك الحكاية عشان الناس تعرف ان سعد الدكروري ممامتش في حادثة عادية، ده مات مقتول بطريقة غريبة ماتخطرش على بال ابليس، وكتبت كمان عشان اقولك إن مراته ماتت بنفس العقار اللي هو مات بسببه بعد ما اخوه خلاها تدمنه، اخوه اللي دبر لكل ده، وفي الاخر خسر كل حاجة بعد ما كسب كل حاجة، خسر كل حاجة لأن ربنا عزوجل يمهل ولا يهمل.. وكمان كتبت عشان تعرف ياللي بتشوف او بتسمع كلامي ده اني عيشت اسوء ليلة في حياتي لما بقيت ساكن من سكان المشرحة، ليلة شوفت فيها بسبب فضولي، اللي لو حد غيري شافه كان زمانه اتجنن او مات.. بس انا اهو.. لسه عايش، ماموتش، بس موضوع اتجننت او لا، فدي حاجة ماقدرش اجزم بيها، انا اوقات بحس اني مش طبيعي بسبب اللي اتعرضتله وبسبب الكوابيس اللي عيشتها وشوفتها، واوقات كمان بشوف في ضلمة حاجات غريبة زي الكائن اللي خرجلي من الحمام ليلتها، ووشوش وظلال تانية.. بس كل ده كنت بعديه وماكنتش بقف عنده لأنه مش زي الكوابيس بتاعت سعد، الكوابيس اللي بطلب منك انك تدعيلي انها ماتزورنيش تاني بعد ما تسمع او تقرا حكايتي، ومش مهم خالص.. مش خالص بالنسبة لي ان الكوابيس تجيلك من بعدي عشان تحكي الحكاية لغيرك، المهم إن انا اعمل دوري واوصلها.. وانت كمان ياريت توصلها، وألا.. وألا ممكن تشوف نفس اللي انا شوفته وتعيش كوابيس زي اللي انا عيشتها.. كوابيس سببها انتي كنت في يوم من الايام واحد من سكانها.. سكان المشرحة، وانت كمان بقيت زيي لما سمعت حكايتي.
تمت
محمد_شعبان